احمد عبد الرازق ابو العلا يكتب / تمكين المثقف لطرح رؤاه ، ومناقشته
إجراء مهم لتفعيل العمل الثقافي
نقلا عن الدستور
قبل أن نطرح السؤال المُتعلق بكيفية تفعيل العمل الثقافي ، لتحقيق التنمية ، بكل روافدها ، لابد أن نحدد أولا مفهوم الثقافة – بشكل عام – وأقرر هنا انحيازي لمفهوم الثقافة الذي حدده ( ادوارد تايلور) عالم الأنثروبولوجيا البريطاني من ( أنها ذلك الكل المُركب المُعقد الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والأعراف والتقاليد والعادات وجميع القدرات الأخرى التي يستطيع الإنسان أن يكتسبها بوصفه عضوا في المجتمع ) ولأن الثقافة – في نهاية الأمر – مكتسبة ، فلذلك يكون من الأهمية العمل على إتاحة المناخ الصالح لنموها ، وتطورها ، والعمل على تفعيلها بالوسائل والطرق التي تساعد على اكتساب مهارات وخبرات جديدة لدى الناس ، تُنمي البُعد الإنساني فيهم أولا ، وترقي بالذوق العام ثانيا ، وتحافظ على المكتسبات التي تحققت في أزمنة ماضية ، قديمة وحديثة ثالثا ، فلا ينبغي التفريط في أي منجز حقيقي، تم علي أرض الواقع .
ولكي يتحقق هذا تطفو على السطح إشكالية (التنمية الثقافية بين الفعل المُنظم والعشوائي ) والتنظيم يعني وجود إستراتيجية واضحة المعالم ، تحدد الآليات التي بها نستطيع القيام بتلك المهمة ، وتحديد الأهداف للعمل على تحقيقها ، ومن ضمن تلك الآليات : ضرورة الانحياز لحرية التعبير ، والتخفيف من ربقة الرقابة على الإبداع والفنون ، لأنهما لن يتطورا بشكل حقيقي في ظل إتباع سياسة المنع ، التي تعوق فعل التطوير والحركة، مع الالتزام بمعايير الحفاظ على منظومة القيم النبيلة ، وعدم إزاحتها ، بزعم الحرية ، وهذا التوجه لا يتعارض مع فكرة الحرية بمفهومها الايجابي ، هذا فضلا عن تطوير الأداء الإعلامي ، ليكون قريبا من الناس ، ومُعبرا عنهم ، ومحتضنا لقضاياهم ومشاكلهم ، ومُبتعدا عن التافه والساذج والمتدني
فضلا عن الانحياز، وتشجيع كل من يقدم ابتكارا في مجاله ، سواء العلمي منه ، أو الفني أو الأدبي ـ انتصارا لمعايير العدالة ، ورفضا لثقافة المجاملة ، والانحياز لمن ينتمون إلى شلة ، أو عُصبة ، أو أصحاب مصلحة ، أو نفوذ .
ولا أعتقد أن تلك المهمة هي مهمة المؤسسات وحدها ، لكنها مهمة ومسؤولية المثقفين الذين يقدمون لتلك المؤسسات مقترحاتهم ودراساتهم ، ومناقشاتهم للقضايا التي يتم بها تفعيل العمل الثقافي ، علي كل المستويات ، وأعني هنا بالمؤسسات ( الثقافية – التعليمية – الدينية- الشبابية – الإعلامية ) وفي ظل تلك الرؤية لا ينبغي إهمال ، أو إهالة التراب – كما يحدث – على المقترحات والرؤى التي يقدمها المثقفون ، ويطرحونها أمام المسئولين ، الذين يتغاضون عنها عن عمد ، ولا يهتمون بمحتواها ، لأسباب ينبغي التخلص منها ، ومن بينها ، الإيمان بما هو قائم ، وعدم الرغبة في تطوير الأداء ، بسبب ضعف الكوادر ، وانشغالها بأمورها الشخصية ، ومكاسبها ، بعيدا عن فكرة الصالح العام . ولي تجربة في ذلك ، حين حاولت وما زلت أحاول وضع تصورات للنهوض بمسرحنا المصري ، ورفع تلك التصورات إلى المسئولين، وعلي رأسهم وزير الثقافة الحالي ، ولم يهتم أحد ، وعدم الاهتمام هذا يُعد مظهرا من ضمن المظاهر ، التي تعوق فكرة التطوير .
وأؤكد – هنا – على أهمية الانحياز لفكرة تمكين المثقف لطرح رؤاه ، ومناقشة ، ما يطرحه ، طالما أنه يصب في الصالح العام – بعيدا عن المصالح الشخصية – لصالح الاقتراح ، وتلك مسألة مُهمة للغاية ، لو أردنا بالفعل تحقيق مفهوم التنمية الثقافية ، والعدالة الثقافية ، بشكل حقيقي ، وعملي بعيدا عن الشعارات التي لا تنتج أثرا .