احمد اسماعيل يكتب : الصور الشعرية في فخامة امتداد العبارة وشمول ” هي ” نبيل مصيلحي / سكة الصابرينتقديم .. لم يكن ديوان ( سكة
الصابرين ) حين تناولته للوهلة الاولي الا علامة تعجب كبري ممتدة بإتساع صفحاته .. فكيف لشعر عامية أن يتغلغل هكذا
في فنيات بعينها ..؟ للحد الذي يجرجرنا خلفه نستقي ونبحث ونتمتع ونكتب ..
احمد اسماعيل يكتب
خاصة وأن شاعر العامية كما نعلم جميعا يقنفي
الواقع ويتمخض عما يقلق مضجعه اجتماعيا واقتصاديا ووطنيا أيضا .. ولغته هي لغة العامة .. يخاطبهم .. ويناجي مشاعرهم
فمنذ النظرة الأولي .. ومع العنوان / القصيدة ” هاجت مشاعري شربتها قهوة ” نطالع في استهلال القصيدة ” الصبح ماشي
فوق ازاز مكسور مفروش طريقه اه والخوف سنابل قمح متفرفطة في قلوب ..
.” نجدنا قد غمرنا غمرا في متواليات لا نهائية
من الصور الفنية الشعرية وفيضا من الدلالات التي تعد من أهم مكونات ومقومات النص الشعري وهي تقاس بتمكن الشاعر
من إبتكارها لتقديم المعني الذي يذهب إليه كمثل مااكتشفنا في الاشارة إلي ” هي ” في النص ذاته “..الليل ونام جوه العيون
ارتاح راح نجم السما غاب في النوي والغيم مين قال ان ( الصبية ) ضهرها مصلوب ..
” وتطل ” هي ” بكل دلالاتها التي
سنتعرض لها لاحقا .. اقول تطل محملة علي اتساع العبارة وطول النفس الممتد للقول .. حيث تأخذك الجملة إلي نهاية
مرادها في خط مستقيم دون توقف .. مما نطلق عليه النفس الطويل نحن اذن أمام فنيات الإبداع الشعري ممثلا في الصور
الفنية الشعرية ودلالاتها .. وممثلا في الرمز ” هي ” ودلالالتها ايضا . حيث الرمز أكثر فاعلية في عرض المعاني الكامنة
وبعد ,,, أن ” نبيل مصيلحي ” في هذا الديوان الذي بين إيدينا استطاع ان يجسم .. أكرر يجسم بالتصوير شعره ليقدم المعني
بطريقة حسية لتقترب الجملة من الرسم .. أكرر الرسم … وليؤكد علي قول الجاحظ معرفا الشعر ” الشعر صناعة وضرب
من النسج وجنس من التصوير ” ……. سكة الصابرين و اولا : علم الدلالة حين نلج الي المتن الشعري .. ومن ” مفتتح ”
نجدنا أمام بعثرة مقننة ومتقنة من فنيات الرواح الي الشعرية بحرفية وجمال .. نجدنا امام سيدة النصوص ” هي ” ” باشيل
صوتك في القلب والشرايين ” وحتي أخر المقطع ” إزاي تكوني في دمي واسلمك للموت ” يقول ” جون لاينر ” أن علم
الدلالة هو علم دراسة المعني وهناك فرق بين الرمز الكتابي واللفظ المنطوق والمعني المقصود فالرمز دال علي مدلول
يشير الي ماارتبط بالذهن .. ومدلوله اللفظ .. واللفظ مدلول لغيره فهو مدلول للرمز دال علي المعني .. والمعني المقصود
مدلول غير دال لأنه الغاية التي يدل عليها ولا تدل علي غيرها فإلي إي دلالة يسوقنا الضمير ( صوتك / تكوني / اسلمك
)أنه يقودنا إلي ” هي ” .. ولكن ماكينونة ” هي ” هل اللفظ الضمير (أنتِ ) في صوت ك وال ( ياء ) في كون ي وال( أنتِ
) في اسلمك .. هل دل علي احد بعينه أم أنه مدلول لغيره دال علي غيره فهو مدلول للرمز دال علي المعني ولنلج أكثر لعلنا
نسترشد للدلالة بجمالياتها لنجد هي في نص ” هاجت مشاعري شربتها قهوة ” قد تشكلت روحا وجسدا لكنه الرمز : ” مين
قال أن الصبية ضهرها مصلوبة ” اللفظ هنا ” الصبية ” .. وهو معني لغيره يدل علي غيره فليست المقصودة صبية بمعني
اللفظ .. إي أنه هناك معني مدلول اليه .. و في نص ” كفاية الحزن ياجدة ” فيجي يملا دوارنا ويملا الكون عيال وبنات
وصبحية تزهر في العيون احلام سنابل فيها روح ( يوسف ) ماليها الخير في هذا النص انحياز مجازي جدا لمعاني بعينها
وردت في الفاظ دالة .. ولكننا سنأخذ مثلا ماورد في ختام النص من لفظ ( يوسف ) هو لفظ دال .. ولكن المقصود به مدلول
مجازي في مخيلة وخفايا الذهنية .. والنطق به وسيلة للوصول الي المقصود منه .. من هنا ندرك تدخل الدال مع المدلول ..
ولكن كيف نكشف الدلالة .. ان كشف الدلالة يتبع نوع الدال .. نوع اللفظ الدال .. فقد يكون تباين .. وهو نشاط ذهني قائم
علي ادراك مقصد اللفظ .. مثلما ورد في لفظ ” صبية ” وقد يكون اللفظ الدال تماثل او مشابهة ظاهرية .. ويوسف بما وهبه
الله من جمال وحسن شبيه بها .. وبما منحه المولي من حكمة وقدرة علي ادارة سنين عجاف .. قد تشابه به .. ولسوف نجد
علي امتداد النصوص الدلالة في كل صورها المتعارف عليها وفي كل اشكالها التي يحذقها المبدع .. حذقا واعيا مدروسا ..
فقد يكون تكرار للفظ الدال أي رجوع الي الشئ ذاته مرة او مرات .. وقد تكون تضاد لفظ الدلالة مضاد في المعني وهو
الجمع بين متضادتين ( طباق ) لايضاح المقصود وقد تكون التفاف وهو التعدد في صيغة الكلام ثم العودة الي الصيغة الاولي
وقد يكون رمز وهو احتمال الاحالة الدلالية الي غير معني اللفظ .. مثل ايوب / ناعسة / عنترة / شيبوب / زليخة / فرعون
/ الزومبي / قابيل وهابيل / المساخيط / الطواغيت وكل هذه وردت في النصوص وما اكثر الامثلة الجمالية التي تاخذك
اليها .. فينك ياناعسة في اي شط بتفردي شعرك توب الليل غمي البيوت والزمن والناس وبيعلنوا قهرك وفي نص اخر عالم
المساكين ” كانت هنا ساكنة في براحي وهوايا كانت هنا بين الضلوع تفرش الحكايات كات لما تفرد شعرها ع البيوت
بتصهلل الاحلام يحلا السهر في عيونها ويجلجل الضحكة ويشقشق الصبح الصبوح من قلبها يغني وايضا في نص ” حلاوة
روح ” يطرحها في سؤال ويقول مين خد حلمها وساب الجرح ينبح نبح وأظنه في هذا النص كان كاشفا للدلالة الي حد بعيد
يقول في نص ” طوبة ضي ” يخاطبها خطاب العاشق الولهان خطي قصادي دوسي ع الوجع والخوف حواليكي ماشي
بقلبي وعيوني ولا يوم هفوتك لحظة وامشي بعيد ولا هفوه فاصلة تفصلك عني وياله من مبلي حين يصرخ كاشفا الدلالة في
مستهل النص ” علي جمر اشواقي ” ويقول : يامربعة في القلب سكنه ومرتاحة ومتبته في ضلوعي رحاحه رواحه ازاتظني
ان انا هانزعك مني وازاي يهون عشقنا في القلب والنني ..” حتي في نص الختام .. الذي أنهي به الديوان وهو نص فارس
من ضي .. ولاحظ معي مفردة ضي.. في دلالتها علي امتداد النصوص .. وكأنك امام الصدق الذي تمثله او الايمان أو الحب
أو الفرح .. لتخفف ماورد كثيرا من مفردة موت وموات ومات وحزن .. حيث كانت الدلالة هنا ذاهبة الي الخسران والضياع
والفقد والتعب والازمة .. يقول : بحر الزمن شدني ادور والف وادور ساقية بتنزح عطش وغروب زمن مجهول نجد بكل
مفردة هنا أو لفظ زخم من الدلالات فمفردة بحر تاخذك إلي كل عوامل البحر من هياج وسلام ومد وجزر وعواصف ..
ومفردة ” ادور ” والف ” تاخذك الي تأرجح لا نهائي رغم مافيهما من شبهة الوحدة في المعني إلا أن كل منهما تحمل حركتها
التي تبدو في الأولي غير مقيدة وفي الثانية مرتبة ومنظمة .. لتأخذنا إلي دلالات متكررة والتفاف باللفظ لترسيخ المعني ..
حتي أن ذهبنا إلي ” ساقية ” نكون قد اكملنا ماانتوت الدلالة علي توصيله الينا من شعور قبل الاستقرار علي المعني
المقصود في ختام الدوران واللف وهو الساقية بكل ماتحمله من دلالات . أن النصوص زاخرة بالدلالات اللفظية وايضا مفردة
” النخل ” التي وردت عنوانا لنص .. والتي حملت زخما لا نهائي من الدلالات .. وايضا مفردة ” بحر ” التي وردت ايضا في
اكثر من نص .. ثانيا : الصور الفنية الشعرية أن الصورة الشعرية هي جوهر فن الشعر فهي قاعدة انطلاق للطاقة الشعرية
الكاملة وباعثة لها .. والصورة هي معكوسا لما يشكل المعني المراد التعبير عنه في الذهن .. وذلك بالإنحراف إلي معاني
مجازية أو حسية ( الخوف سنابل قمح متفرفطة في قلوب ) ( الامس ماشي للورا شارب كاسين …) والصورة لايمكن فهمها
إلا بفهم طبيعة الخيال ذاته بوصفه نشاطا ذهنيا خلاقا .. فالخيال هو القوة الحيوية التي تجعل الإدراك الأنساني ممكنا .. ولقد
قرن العرب الخيال قديما بالشياطين كونه نوع من الايهام .. وتوارثنا ماسمي بجني الشعر .. ولو تسألنا مما تتركب الصورة
الشعرية ؟ لوجدناها تتركب من مجموعة من العلاقات اللغوية الدالة التي تمتلك طاقات رحبة من الخيال الخلاق .. هذه
العلاقات اللغوية مطعمة بما يمكن من المحسنات البديعية أمثال التشبيه أو الأستعارة وللصورة مصدران لاغير الأول :
الطبيعة سواء كانت ساكنة كالجبال أو متحركة كالرياح والبحار .. والثاني : النفس .. بكل ماتختزن من مشاعر واضطرابات
ورؤي .. حيث الأنا والهو والأنا العليا التي تمثل الضمير .. وحيث المكبوت بالهو من اضطرابات ومشاعر .. وتعامل الأنا مع
الواقع متصنعة بعض الحكمة لتستر المكبوت إلي ميعاد ونكتشف في ” سكة الصابرين ” أن الصورة الشعرية قد وردت علي
امتداد نفس طويل العبارة لتتشبع بما رصدت من كمال .. واظنه النفس النفسي الذي حملته الأنا المصدر ( الصبح ماشي فوق
ازاز مكسور مفروش طريقه اه ) وهنا الصورة نجدها منحرفة الي تشكيل حسي أيضا حيث المشي فوق ازاز مكسور وفرش
الاه .. وهو تشكيل مكاني في حين أن اشكال التشكيل الحسي للصورة نجدها في معظم القصائد من تشكيل ( بصري ) حيث
تجعلك الصورة تتجول بين عناصر النص .. وتشكيل ( لوني ) للكثير من الصور التي وردت الوانا .. وكذلك تشكيلات (
صوتية ) للصورة نجدها في النصوص علي شكل حديث أو صراخ ومناداه .. ولا ننسي ان مفردة بحر تحمل تشكيلا صوتيا
للصورة حيث البحر بهياجه واصواته وتشكيلا مكانيا أيضا ولونيا أيضا .. وكذلك مفردة نار تحمل تشكيلا حسيا مفعما .. حيث
صوت اللفح ولون اللفح ثالثا : ماذا عن الجمل الطويلة أسلوب الكتابة هو النمط الذي يختاره الكاتب للكتابة ويكشف الأسلوب
عن كل من شخصية الكاتب ورأيه، ولكنه يظهر أيضًا كيفية تصور الكاتب، والذي يكشف بدوره عن هذه الخيارات التي يمكن
أن يغير الكاتب بها المفاهيم للطابع العام للعمل . ويمكن أن يتم ذلك عن طريق تغيير بسيط للكلمات; البناء النحوي، تحليل،
إضفاء ، وتنظيم عدد من الأفكار في إطر قابلة للاستخدام. ( انا نبض روح حضرتك قومي اطلقيني بخور ) ( لا خوف يقصر
خطوتك دا مركبك حبي ) ( مين قال لكم ان الرسالة حروف يسطرها الأنا ) ( رصة واحدة تنحني فيها الضهور زي كوبري )
( الصوت مابيدوش في زحمة الدراويش والعين تشوف شيش بيش بما يصيبها الطيش ) ( وفي شط عمري ارتاح شقشوقة
قبل مااموت ) ويمكن استعمال الجُمل الطويلة في الحالات التالية: · في حالة الوصف، يكون مسموحاً استعمال الجُمل
الطويلة. · إيراد جُملة طويلة بين جُملتيْن قصيرتيْن. · استعمال الجُمل الطويلة بالتناوبِ مع الجُمل القصيرة. · إجادةُ كتابة
الجُمل الطويلة وحُسُنُ صياغَتِها، بحيث لا يُحِسُّ القارئ بطول الجُمل أو ركاكتِها. والجملة الشعرية لابد ان تكون تجسيدا
لغويا تاما يسمو علي المعني .. وتصبح بذلك خاضعة لصفات الابداع مثل الايقاع والتفاعل .. فهي بنية صغري لبناء البنية
الكبري التي هي النص .. والجمل الشعرية التي اوردناها كمثال لطول الجمل .. حي نتفحصها بالمقاييس الاسلوبية التي قد
تكشف حقيقتها .. ونروح الي محاولة تطبيق منهج الحذف علي اي من هذه الجمل لنكشف تماسكها .. نجدنا في حالة من
الاشباع الفني بما رسمته الجملة من صورة مكتملة لا يمكن بإي حال من الاحوال الحذف منها .. ولو اخذنا هذه الجملة مثلا :
( رصة واحدة تنحني فيها الضهور زي كوبري ) وذهبنا إلي البناء الشعري نجدنا أمام بناء متماسك لايمكن أبدا زعزعته
بالحذف منه .. وأمام صورة شعرية مكتملة الاركان .. مما يحيلنا ألي جماليات كثيرة وبعد هذه قراءة في عجالة لديوان سكة
الصابرين للشاعر الاستاذ نبيل مصيلحي .. علما بان النصوص تحمل الكثير والكثير من الفنيات التي يمكن الخوض فيها
والافادة منها .. ولقد ابتعدنا عن الشكل والعتبات الي ورقة قرائية أخري …… أحمد إسماعيل إسماعيل إضاءات نقدية
وإبداعية..
قد يهمك أيضا