العقم والعقر في القرآن
للدلالة بين التعبيرين (العُقم) و(العقر) فروق، وهما تعبيران في اللغة العربية، معناهما عدم القدرة على الإنجاب، فلا تحمل المرأة ولا يولد للرجل، والصفتان هما: عاقر وعقيم، على الترتيب، وقد ورد التعبيران في آيات قرآنية عديدة، فوردت كلمة (عاقر)، وهي اشتقاق من التعبير الأول (العقر)، في ثلاثة مواضع بالقرآن الكريم في سياق قصة زكريا عليه السلام، قوله تعالى: ( قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) ([آل عمران].
وقوله تعالى: ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (٦) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (٧) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً (٨) ([سورة مريم].
بينما ورد التعبير: (عقيم)، وهو اشتقاق من التعبير الثاني: (العقم)، في أربعة مواضع بالقرآن الكريم، واحد منها في سياق قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهو قوله تعالى: (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) ([سورة الذاريات].
والثلاثة مواضع الأخرى في قوله تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ )(٥٠) [سورة الشورى].
وقوله تعالى: (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) (٥٥) [ سورة الحج].
وقوله تعالى: (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) (٤١) [سورة الذاريات].
وقد خلط بعض المفسرين، بين مدلول الصفتين، في شروح الآيات، وذهبوا إلى أن (عاقر) تعني (عقيم).
ففي سورة آل عمران (٤٠) قال القرطبي: أي: عقيم لا تلد .
وقال الألوسي: والعاقر ـ العقيم ـ التي لا تلد، من العقر وهو القطع، لأنها ذات عقر من الأولاد.
وكذلك في سورة مريم.قال القرطبي: إن امرأته كانت عقيماً لا تلد.
وفي سورة الذاريات قال الألوسي وأبو السعود: أي: أنا عجوز عاقر فكيف ألد.
فالمصطلح الأول يعني حالة نسبية وقابلة للعلاج، بينما المصطلح الثاني يعني مطلق عدم القدرة على التناسل، أي: أنها حالة غير معكوس.
إن إدراك الفروق الدقيقة في دلالة الألفاظ في اللغة العربية ذو أهمية حيوية في هذا المجال، فبدونه لا يمكن اختيار اللفظ العربي الصحيح مما يدل على عدم الوضوح في الفهم، ويبقى (العقم) هو التعبير الشائع عن كل من التعبيرين في معظم الأحيان بين العامة والمتخصصين الذين قاموا بإنشاء الكثير من المراكز الطبية الحديثة في العالم العربي، والتي أطلق عليها مراكز علاج العقم
فالتعبيرين (العقم) و (العقر) يشتركان في الدلالة على عدم القدرة على الإنجاب، فلا تحمل المرأة ولا يولد للرجل، وأن لـ (العقر) مدى من الأقل إلى أشد، وأنه قابل للعلاج.
أما مطلق (العقر)، وهو (العقم)، فهو غير قابل للعلاج ولا يبرأ منه، فلا يولد للمصاب به أي طفل، فـ (العقم) هو من (العقر) وهو أشده ومنتهاه وأي منهما من الممكن حدوثه قبل أن يولد للمرء أي طفل، أو بعد أن يولد للمرء وهذه الدلالات ثابتة منذ أمد طويل، كما تدل عليه اللغة والآيات الكريمة، وبقبول ذلك يمكن إعادة تدبر الآيات الكريمة بالنظر في حكمة ورود أي تعبير منهما في السياق،وعليه: أن تعني (عقم) و تعني (عقيم)، ثم إن كلمة تعني (عقر) و تعني (عاقر).
فزوجة زكريا كانت عاقرا أما زوجة إبراهيم كانت عقيما
وعليه: فإنه لا يجوز للأطباء ادعاء علاج (العقم)، بل إن كان ما يعالج هو (العقر).
والأدلة على صحة هذا الرأي هي:
عدم القدرة على الإنجاب إما أن تكون نسبية (العقر) أو مطلقة (العقم):
(العقم) و (العقم) بفتح العين وضمه: هزمة تقع في الرحم فلا تقبل الولد. عقم يعقم عقماً عقيم: كان به ما يحول دون الإنجاب، والجمع عقماء وعقام، وللمؤنث عقائم وعقم.
وأصل (العقم) في اللغة: القطع. وقاله المفسرون، أيضاً، في شرح الآية (٤٢) من سورة الشورى، ومنه يقال الملك عقيم لأنه تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق فلا ينفع فيه نسب لأن الأب يقتل ابنه.
ويلاحظ علاقة ذلك المدلول لـ (عقيم) بالتعبير (الأبتر) وكان العرب يقولون إذا مات الذكور من أولاد الرجل: قد بتر فلان ، فالأبتر من الرجال: الذي لا ولد له، أي: لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره.
أما (العقم) في الآيات الكريمة:
في سورة الذاريات: قيل: العقيم: التي لا تلد، أي: قالت أنا عجوز عقيم، فكيف ألد؟، كما حكى الله تعالى عنها قولها: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) (٧٢) [سورة هود]: فاستبعدت ذلك لوصفين من اجتماعهما:
أحدهما: كبر السن.والثاني: العقم ،لأنها كانت لا تلد في صغر سنها، وعنفوان شبابها، ثم عجزت وأيست فاستبعدت، وكان بين البشارة والولادة سنة، وكانت سارة لم تلد قبل ذلك فولدت وهي بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم عليه السلام يومئذٍ ابن مئة سنة.
وجاء في شروح قوله تعالى: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) (٧٢) ([سورة هود]: وقدمت بيان حالها إذ ربما يولد للشيوخ من الشباب، أما العجائز فداؤهن عقام، ولأن البشارة متوجهة إليها صريحة.
وهذه المعاني تؤيد ذلك، وخاصة اقتران كبر السن بالعقم.
قوله تعالى: (عجوز عقيم) ،حيث يحدث تغير وظيفي طبيعي مع تقدم العمر يشمل ضمور المبيضين وخلوهما من النطف (البويضات) ببلوغ سن الإياس (أو اليأس) في المرأة، أي: انقطاع الحيض، وبالتالي تفقد المرأة قدرتها على الحمل.
والارتباط بين انقطاع الحيض في النسوة العجائز وعدم القدرة على الإنجاب حقيقة معروفة منذ زمن طويل، ومما يدل على ذلك شروح بعض المفسرين لقوله تعالى: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) (٧١) [ سورة هود ]حيث قيل: قوله تعالى: (فَضَحِكَتْ) بمعنى: حاضت. ونقل ذلك عن مجاهد وعكرمة وابن عباس وابن عمر.
في سورة الشورى: قيل: معنى الآيات هو: فيهب لبعض إما صنفاً واحداً من ذكر أو أنثى وإما صنفين، ويعقم آخرين.
وقوله تعالى: عقيماً، أي: يمنعه هذا وهذا فلا نسل له ، أي: لا يولد له ذكر ولا أنثى.
ومما يدل أيضاً، على ذلك ما ورد في التفاسير من أن هذه الآية نزلت في الأنبياء ـ عليهم السلام ـ خصوصاً، وإن عم حكمها: وهب للوط وشعيب الإناث ليس معهن ذكر، ووهب لإبراهيم الذكور ليس معهم أنثى، ووهب لآدم وإسماعيل وإسحاق ومحمد الذكور والإناث وجعل عيسى ويحيى عقيمين.
وسورة الحج:قوله تعالى: (أو يأتيهم عذاب يوم عقيم) اختلف في هذا اليوم أي يوم هو؟ فقيل: هل يوم القيامة. وقيل: هو يوم بدر، وقيل: المراد بيوم عقيم يوم موتهم، فإنه لا يوم بعد بالنسبة إليهم ، وشرح وصف اليوم بأنه (يوم عقيم) لأن يوم القيامة يوم لا يوم بعده. والعقيم في اللغة: من لا يكون له ولد، ولما كان الولد يكون بين الأبوين كهيئة الولادة، ولما لم يكن بعد ذلك اليوم يوم وصف العقم. وكذلك يوم بدر لأنهم لم ينظروا فيه إلى الليل، بل قتلوا قبل المساء، فصار يوماً لا ليلة له.
وفي سورة الذاريات: قيل: (العقيم) فعيل بمعنى مفعول، ومنه امرأة عقيم لا تحمل ولا تلد، كأنه شبه عدم تضمن المنفعة بعقم المرأة فهي لا تلقح شيئاً، لا تلقح نباتاً، ولا الشجر
والله أعلى وأعلم