حكايات الولاد والأرض.. الجمهورية ٦ مايو
لا ينال الشهادة الا المختارون..
شذى زوجة الشهيد محمود منتصر:” حبيبى ابن مصر ولد بالاسكندرية واستشهد بسيناء ودفن بقنا”
ما اجمل ان تحب المرأة زوجها كل يوم, انا كنت من هؤلاء النسوة, اللاتى تعشقن ازواجهن حتى الجنون والسكر, كنت اراه كل يوم عريسا او خطيبا يتقدم الى للمرة الاولى وانا مفتونة به, قبيل صبيحة كل غد آت انتظره عند المساء حتى يأتينى فارسى الانسان الذى يشرق كل يوم بصفة جديدة تشغل بالى ويتركنى هائمة فى فكره, يوما اراه لطيفا وآخر يكون جميلا, .
وكثيرا ما يطل على انسان كامل الرقة, عطوفا حتى اتخذته ابا, وصادقا فكان صديقا, وكاتم اسرارى فأحببته اخا, حبيبى جمع صفات المصريين كلهم فكان من بحرى ومن قبلى وسيناوى ما هذا الرجل الماسة الذى تشبهه الماسة فى تكرار اوجهها وكلها جميل, وفى سحرها وهدوئها المبهج كانت كحبيبى الذى احبه كل يوم بالف قلب, هو محمود فى عقلى فاعتقدت فيه تمام الاعتقاد, ومحمود فى قلبى فآمنت به رجلى الاوحد, ومحمود فى عينى فلن ارى سواه هو ادم الوحيد, .
كنا ولازلنا نتجاذب اطراف حديث بلغة لم يتبادلها اهل الارض بعد, مازال يهمس بعيناه كلما جذبتنى صورته اليه, ولازال ينادى بصوت عال لا يسمعه سوى قلبى, جاءنى البشير بالخبر ذات يوما فحمدت الله ان اكمل لمحمود صفات الخلود وكأمرأة فرحت لوهلة وفقط لأنه لم تعد سيناء تقاسمنى اياه , اه من الشرك فى العشق كم كان يؤلمنى عشقه لغيرى والعجيب انه – ابدا – لم ينكره, وانا التى احبه بالف قلب واراه واحتويه بالف عين شاركتنى سيناء فى حبه, وما لى من سلطان فى حب الوطن وعشق ترابه , فربما كنت احبه لحبه لها! …
حكايات الولاد والأرض
تحكى السيدة شذى زوجة الشهيد مقدم محمود منتصر عن البطل:”محمود جمال عبدالفتاح منتصر من سلاح المشاة تخرج فى الدفعة 98 حربية, وميلاده فى 20 نوفمبر 1983 بالاسكندرية فكان بحرى الميلاد ولديه اربع اشقاء وشقيقة توفاها الله منذ سنوات مما أثر فى شخصيته وتدينه وقربه لله, وانتقل مع والده واسرته الى قنا فكان والده يعمل طبيبا للاطفال فى احدى قرى قنا وتأثر محمود كثيرا باصالة المكان وأخلاق الصعيد حتى انه اوصى ان يدفن هناك فى حالة استشهاده فنشأ وتربى فى صعيد مصر حتى نال الثانوية العامة بتفوق .
والتحق كأجراء احترازى بكلية الهندسة لكنه كان قد تقدم لقلعة الرجال, الكلية الحربية, واجتاز اختبارات القبول حتى ان موقفا ربما كان هو معبره للقبول بالكلية الحربية فقد حضر ذات يوم اجراءات الاختبارات القائد العام للقوات المسلحة – حينها – المشير محمد حسين طنطاوى وأمر القائد ان يشاهد بنفسه اختبارات محمود وكان معه زميل آخر وأجرى الإختبار عليهما بنفسه وعنما مثلا امامه سأل المشير طنطاوى محمود إذا كان مدخنا فاخبره انه لم يدخن فى حياته ولكن المشير طنطاوى قال له :” أنت يبدو عليك مظاهر التدخين”.
فلم يغير محمود كلامه واراد المشير طنطاوى أن يختبر ثباتهما الانفعلى فسألهما : لماذا لاتربطا رباط حذائيكما بطريقة صحيحة فانحنى زميله ليعيد رباط حذائه فى حين ظل محمود ثابتا لايتحرك وكان يتميز بالثبات الاتفعالى وسرعة البديهة اللافتة للانتباه, وبعد شهر من وجوده بكلية الهندسة تم اخباره بقبوله بالكلية الحربية فى حين علم ان زميله لم يقبل بنفس الواقعة.
تخرج محمود فى الكلية الحربية وبعد فترة وجيزة اكرمنى الله بشرف الارتباط به, وعشفته حتى الجنون, لانه يستحق, وامتلات حياتنا سعادة بوجود ثلاث ابناء الاكبر يحيى 6سنوات والثانى آسر سنتين ونصف والجميلة التى لم تشبع من سندها مارية كانت خمسة أشهرعند استشهاده.
محمود كان مخلصا لعمله يعتبره رسالة لا وظيفة يقتات منها, وكان محبا نهما للعلوم العسكرية فقد حصل على جميع الفرق التأهيلية لسلاح المشاة ومنها دورة قائد فصائل, ودورة قائد سرية, دورة قائد كتيبة, وفرقة هاون, دورة شرطة عسكرية, وفرقة حراسات وتأمين شخصيات هامة, وتدرج فى جميع الوظائف القيادية لسلاح المشاة حتى رئيس عمليات كتيبة مشاة فى سيناء,.
وقائد سرية شرطة عسكرية, وقائد سرية نيابات عسكرية, ورئيس قسم نيابات, ونائب رئيس قسم امن حربي فى المنطقة الغربية, وخدم باسم مصر فى دارفور فى قوات حفظ السلام التابع للأمم المتحدة لمدة عام.
أذكر جكاية رواها لى احد المجندين اثناء جنازة الشهيد وكان بقسم بحب زملاءه للبطل :” اثناء ثورة 30 يونيو وفى نخل بوسط سيناء حاول فلول الاخوان والتكفريين اقتحام قسم شرطة نخل وكان الشهيد محمود من المدافعين عن القسم وقوته وانه رأى منه قوة وشجاعة فى الدفاع عن القسم وكل الافراد بداخله حتى وصول الامدادات وانه لولاه لوقع القسم فى أيدى التكفريين وبعدها بايام قاموا بمهاجمة دورية يقودها مع عدد الجنود فقام بصد الهجوم واسعاف المجند المصاب وبعد ذلك عاد لمطاردة العناصر التكفيرية وقتلهم.
قد يهمك أيضا: محمد نبيل محمد يكتب : فى معارك الوعى انتصر فرسان الصعيد
قبل استشهاده بأيام سُأل عن مكان خدمته قال:”المكان اللي انا فيه اتبنى بأطهر دم فى البلد وإن الجيش مش بيبني كماين واماكن يحتمي فيها ..احنا اللي بنجيب التكفيريين الجبناء من جحورهم, وان الجيش يتقى الله ويتحرى بدقة حتى لا يظلم او لا يعتدى, ولكن الخونة كتير ومش هنسبهم ولن يصيبنا الا ما كتب الله لنا ومن يخدم فى سيناء له الشرف والأجر ولا ينال الشهادة الا المختارين صادقى العهد مع الله, وقال لزميله فى احدى المداهمات مدام مصليين الفجر حاضر يبقى مش قلقان من اي حاجة”.
بعدها بأيام تعرضت مركبته لتفجير ونجا منها واتصل بوالدته لوادعها وقال لها:” مهما حصل متزعليش متزعليش ابنك خايكون فى مكان احلى بكتير ادعى لى انت يا امى” وكان قد أخفى مكان خدمته عنها لقلقه الشديد عليها وحفاظا على صحتها وفى 24 اغسطس استشهد اثناء مداهمته لاحد الاوكار شديدة الخطورة وكانوا فى انتظاره,.
اختارته رصاصة القناص من وسط المقاتلين مُقبلا غير مدبر لم يستطيعوا مواجهته كالرجال فأختارته رصاصة غدرهم وجُبنهم ولكن هو اختيار واصطفاء الله عز وجل ليرتقى شهيدا تاركا ورائه خير ذرية يحيى 6 سنوات، آسر 3 سنوات, ومارية وكان عمرها شهور قليلة, وترك لهم الشرف والمجد وسيرته الطيبة, وكانت جنازته مهيبة وكأنها زفة, وظل جسده ينزف دما حتى دفنه بعد 24 ساعة من استشهاده كأنه مجروح حديثا, عُرف محمود بدماثة الخُلق وتدينه وبشاشة الوجه وكان دايما متوقع استشهاده وكان يعشق مصر وشديد الغيرة عليها وكان يحزن كثيرا عندما يذكر احد مصر بسوء او انتقاد, ويرى ان الله عز وجل هو الحافظ لمصر مهما حدث, ستظل حبيبى الاوحد الى ان القاك يا ابو خليل”.
بقلم : محمد نبيل