عـيـــــــــــــــــب … أنتِ بنت
شهادة إبداعية لابتسام الدمشاوى
32 ش خليل عبده
هنا في هذا البيت بدأت صرخاتي وخرجت الى الحياة فجر يوم 24-10 بعد ولادة متعسرة أرهقت أمي- رحمها الله- كثيرا
…ولم تكن أمي سعيدة بولادتي “لأنها وضعتها أنثى “.
ليس بنفس منطق الجاهلية ولكن لخوفها علىّ مما سألاقيه فى الدنيا ومما سأعانيه, كما عانت.
ولم يمض وقت طويل حتى تحققت نبوءتها:
“عيب..انت بنت..وطى صوتك..غطى رجلك..الفستان قصير.. كلى اللى اخواتك عاوزينه مش اللى نفسك فيه..اسمعى كلام إخواتك الكبار..لاتقفى فى .”.”البلكونه..لاتتحدثى مع الرجال
ولكنى وجدت الحل مبكرا:لبست مثل اخوتى…بيجامات فى المنزل وبنطلونات وعليها بلوزات طويله فى الخروج وكانت تعجب أبى رحمه الله.
وتعاملت مع الجميع من منطق الإنسان بغض النظر عن النوع.
احتارت أمى فى رعايتى بعد انتهاء إجازة الوضع حيث لم تكن هناك حضانات متخصصة لكن كان هناك حاضنات من الجارات أو القريبات….ولم أكن أتحمل البقاء في حضانتهن.
الأهم انه كان هناك جانب مضيء بالتوازي مع ما سبق وهو حب أبى وأمي وإخوتي للعلم والثقافة واهتمام الأسرة بتعليمنا وتثقيفنا وكان لدينا مكتبة جيدة.
فى جلسات السمر التي كان أبى يعقدها لنا بعد الغداء كنا نتبارى فى عرض ما قرأناه وكان أبى يلقى لنا سؤالا عن معنى كلمة فى بيت من الشعر أو إعراب كلمة فى آية من آيات القرآن الكريم
من هنا جاء حبى وولعى باللغة العربية وفنونها فصممت على التعمق بدراستها وحقيقة الأمر أننى كنت ممن أسعدهم الحظ بالتتلمذ في الجامعة على يد أساتذة كبار مثل د “على البطل “رحمه الله ود. أحمد السعدنى متعه الله بموفور الصحة فأحببت الشعر والأدب والنقد وقرأت كثيرا وبدأت حياتي الإبداعية بكتابة بعض القصائد ولكن لم أجد فيها ضالتى وملت أكثر لقراءة الروايات والقصص القصيرة وكانت بعض روايات ديستوفسكى ونجيب محفوظ ويوسف ادريس هى زادى من مكتبة الكلية.
وأنا ذاهبة إلى الجامعة رأيت رجلا يضرب زوجته فى الشارع ضربا مبرحا وكان ابى –رحمه الله- برفقتى وتجمع الناس وحاولوا كفه وتخليصها منه ومنهم أبى ولكنه لم يستجب لأحد فتعامل معه أبى بنفس الشدة وكفه عما يفعل.
بقدر ما فرحت بتصرف أبى وظننت انه ينتصر للمرأة المسكينة بقدرما تأكدت فكرتي.
صممت يومها ألا اكون ضعيفة أو مسكينة مثل تلك المرأة التى راحت تقبل قدم زوجها وتعتذر له وتستحلفه ألا يطلقها حيث لا ملجأ لها غيره رغم كل ما فعله بها.
قهرنى هذاالمنظر كثيرا وظل عالقا بذهنى وكان له أثر كبير فى كتاباتى وإحساسى بقهر المرأة حتى أن النقاد لمسوا ذلك الاحساس بالقهر والحزن أو “المأساوية الساحرة”كما وصفها د سيد البحراوى عندما قرأ بعض كتاباتى.
ولم تكن تلك المرأة هى الحالة الوحيدة ولكن عندما تخرجت وانخرطت فى الحياة العملية والمجتمعية رأيت الكثير منهن إن لم يكن بالضرب فبالقتل المعنوى والتهميش.
لم يكن هذا هو السبب الوحيد لحزنى وإحساسى بالقهر فقد ابتلتنى الدنيا أيضا بفقد ولدى الأصغر فى حادث وكان عمره تجاوز التاسعة بقليل..
ولم أستطع الكتابة عنه إلابعد مرور عشر سنوات على رحيله وكانت قصة دفء مغادر التى أهديتها له فى مجموعة تحمل نفس الاسم ونوقشت فى برنامج كاتب وكتاب فى القناة السابعة وكنت قبلها قد أصدرت مجموعة: موعد مع”أبو الهول” وقد قدم لها الأستاذ حزين عمر وتمت مناقشتها فى ندوة جماعة الجيل الجديد بنقابة الصحافيين كما نوقشت بعد ذلك دفء مغادر فى شعبة القصة والرواية باتحاد الكتاب برئاسه الأستاذة هالة فهمى كما تمت مناقشتها أيضا فى البرنامج الثقافى بصحبة الأستاذ رفقى بدوى كما ناقشها ايضا الشاعر الكبير رحمه الله حسن فتح الباب بالبرنامج العام.
ولم ينته الامر بولدى ولكن توالى الفقد لكل من أحب… فبعد رحيله بعام واحد توفى والدى وأخوىّ أحمد وابراهيم وكانت أمى ثم أخى الاكبر د محمد الدمشاوى قد سبقاهم بسنوات ولكنا تصبرنا بابنائه ومنهم علىّ الذى قبض من بعده على جمرة الشعر التى ورثها إياه.
ولعل هذا يفسر إهداء مجموعتى الأ ولى موعد مع أبو الهول حيث كتبت:”إلى أمى وزهورها المدفونة بقلبى”
بعد هاتين المجموعتين اللتين جاء عدد من قصصها تعبيرا عن وجعى لفقد أحبائى أصدرت مجموعتى الثالثة نزيف وقد حظيت هذه المجموعة أيضا بقراءات نقدية كثيرة فى عدة ندوات وأبحاث فى المؤتمرات الأدبية و الاقليمية.وقد حصلت على جائزة جمعية الكاتبات المصريات الأولى عام 2009 عن مخطوط هذه المجموعة.
وبعد انتظار سبع سنوات لاصدار مجموعتى نظرة ثاقبةعن اتحاد الكتاب تم صدورها .
وكانت ثورة يناير المجيدة قد قامت والتي اعتبرها علامة ونقلة كبيرة في حياتى بل فى حياة مصر كلها وكتبت بعدها ثلاث قصص وضممتها إلى مجموعة نظرة ثاقبة بعنوان “في زمن الثورة “.
ابتسام الدمشاوي.
قديهمك أيضا
موسوعة ادباء مصر.. الشاعرة/ مها أحمد