وحدي معهم | قصة محمد صالح البحر
بدتْ الغرفة معتمة كذاكرة مغلقة على كل الأسرار، ويقف على بابها واحد من الخدم الذين كانوا يقدمون الكؤوس في ساحة العرس، يقف بحذر وترقب شديدين، ومع ذلك لم ينتبه لتقدمي نحوه، إنه حتى لم يشعر بمروري إلى جواره، قبل أن أفتح الباب وأدخل الغرفة، رغم أنني وقفت في مواجهة عينيه تماما، حتى شعرتُ بأنني هواء، أو شبح يأتي من أزمان موغلة في البُعد، فمن المستحيل أن يبلغ تجاهلهم لي جميعا هذا الحد من عدم الرؤية، أو مجرد الإحساس بالوجود على أقل تقدير، فهل أصبحتُ حقا كائنا غير مرئي؟! ملأ الغيظ لكوني غير مرئي كياني كله، فرددتُ الباب من خلفي غير عابئ به أيضا، لكنني عندما فتحتُ عينيّ في مواجهة فضاء الغرفة، دخلني اطمئنان شديد بأن أحدا من الذين يقبعون في الداخل لن يشعر بي أيضا، وكأن الجميع قد تواطأوا فجأة لكي أرى كل شيء، وأكتشف كل شيء، بهدوء وبحقيقته الكاملة، هكذا رأيت الرجل يتطوح كسكران في فراغ الغرفة، ورأيت زوجتي تدفعه بكل قسوتها حتى ارتمى ممددا على السرير، بدا منهك القوى تماما، لكنه قبل أن يُغمض عينيه لآخر مرة، نظر إلى زوجتي بما يشبه الندم، أو الحسرة، أو عدم القدرة على تصديق وقوعه في فخ، صنعه من قبل لآلاف المرات، ولم يؤمن أبدا باحتمالية وقوعه فيه، ونطق بوهن:
ـ نفس الكأس التي سقيتها لزوجك قبل عام؟!
ـ نعم، بنفس المذاق، ونفس كمية المخدر.
وقبل أن تتساقط السُحب البيضاء لتملأ عينيه، وتسحبهما إلى أعلى، كان حبل رفيع من الموت يتدلى من السقف، ويجز رقبته تماما.
هالني تناثر الدم في فضاء الغرفة، بدا مثل شرارات قوية وسريعة وملتهبة من النار، تنقذف من عمود حديدي يتمدد باستسلام كامل تحت سقوط المنشار الكهربائي من فوقه، ولا تكف عن التدفق، وهالني أكثر هدوء زوجتي، وقسوتها المفرطة في الإمساك بطرفي الحبل الرفيع، وشدِّهما بكل ثقة وحزم حول رقبة الرجل، وكأنها تنتقم ليقين ما، لم توخز روحها حشرجاته المتتالية من الخنق، أو وهن مقاومته من المخدر، ولم تلتفت عيناها إلى اتساع عينيه لآخرهما وهما تذهبان إلى الموت، ويكسوهما بياض لامع، ولا اقشعر جسدها من تحول لونه إلى الأزرق الغامق، حتى سقط رأسه على الأرض، ولسبب ما أحسستُ بألم شديد وقاسٍ في رقبتي، كأن نارا حامية تخترقها لترسلها إلى الموت، وبلا إرادة وجدتني أقبض على رقبتي بكفيّ من شدة الألم، ووجدتُ جسدي يهتز ويترنح بجنون عظيم في وقوفه، وسحابتان من البياض الناصع تغشيان عينيّ تماما، قبل أن أسقط في الأرض ولا أدري بشيء من حولي، إنني حتى لم أشعر كم مرَّ عليّ من الوقت قبل أن أفتح عينيّ مرة أخرى، وأرى زوجتي تقف إلى جوار الخادم عند طرف السرير، وتهمس في أذنه بذات الهدوء والثقة الذين تركتها عليهما:
ـ لا أحد يساومني عن نفسي.
#من_قصة_وحدي_معهم
#مجموعة_نوافذ_الضوء