إيقاع مختلف / بقلم : السيد حسن
4 فبراير، 2019
أخبار مصر
إيقاع مختلف / بقلم : السيد حسن
أنا والشتاء وعبد الباسط
أعترف بأنى لم أنزعج كثيراً من موجة البرد القارس التى مرت بمصر أو مرت بها مصر خلال الأيام الماضية، ورغم ضيقى بالموجة الترابية التى شهدتها القاهرة، إلا أنى تحملتها راضياً، فأنا واحد من المتيمين بفصل الشتاء، وأرى أن من حقه أن يمارس دلاله علينا كأى معشوق وثق من محبة عاشقيه.
نعم … متيم أنا بالشتاء، وأيامه ولياليه، وأرى أنه الفصل الذى يجسد إنسانية الإنسان فى أعمق تجلياتها.
كثيراً ما قرأت ـضاحكاًـ ما يقوله علماء النفس من أن عشق الشتاء يعنى لوناً من ألوان سوداوية المزاج، أو حتى الميل إلى الاكتئاب، فأنا أرى فى الشتاء بهجة روحانية وعاطفية مدهشة، صحيح أنى أرى الخريف حكيماً مجرباً شديد الزهد والتواضع، بعيداً عن زهو الربيع، وغرور شمس الصيف، إلا أن عشقى للشتاء يظل ذا طبيعة مختلفة.
المدهش حقاً أنه صار لدى رابط خفى بين ليالى الشتاء وصوت القارىء المذهل عبد الباسط عبد الصمد، بحيث صار كل منهما يستدعى الآخر فى وجدانى، فيهما معاً أحس عذوبة غير قابلة للتكرار.
مازلت أذكر كلمات إمام العصر محمد متولى الشعراوى وهو يقول : “من أراد حلاوة الصوت فعليه بقراءة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ومن أراد إبداع الانتقال بين المقامات فعليه بالاستماع إلى الشيخ مصطفى إسماعيل، ومن أراد الخشوع فلينصت إلى قراءة الشيخ محمود خليل الحصرى، ومن أرادها مجتمعة فعليه بصوت الشيخ محمد رفعت”.
وأنا أتفق مع هذه المقولة تماماً، لكننى دون أن أدرى أرانى منجذباً إلى صوت عبد الباسط انجذاباً لا تفسير له، أبحث فى ذاكرتى عن ليالى الشتاء الدافئة فى مدينتى الصغيرة “ميت أبوغالب”، وقت طفولتى وشبابى الباكر، حين كانت قرية كبيرة، فأرى أن الأصوات كلها كانت حاضرة، فى تلك الليالى عبر المذياع الذى يملأ ليلنا بالدفء والسحر، وأتذكر مع كل ما سبق أصوات الشعشاعى والمنشاوى وحصَّان والصياد وعبد العظيم زاهر، وعبد العزيز على فرج، بما يعنى أن صوت عبد الباسط لم يكن منفرداً بطفولتى وصباى وشبابى الأول، وبالتالى فإن “شيزلونج” التحليل النفسى لن يفيد فى تفسير تعلقى بصوت عبد الباسط، ولا ارتباطه فى وجدانى بفصل الشتاء.
فى صوت عبد الباسط لا أشعر بالرهبة، ولا أنا أفعل ذلك فى ليالى الشتاء الطويلة، حتى حين كانت مظلمة هناك فى طفولتى.
فى صوته أستشعر مزيجاً فريداً من العذوبة والدفء والأمن والإنسانية، وفى الشتاء أيضا أستشعر ذلك، مزيجاً أفتقده منذ افتقدت ذهابى إلى مسجد “ميت أبو غالب” الكبير فى صلاة العشاء أو صلاء الفجر.
كثيراً ما أشعر أنه يقرأ لى وحدى، وأن الشتاء يخصنى وحدى ببوحه الفريد.
لا أظن أنى سوف أبحث طويلاً حول تفسير لذلك، فربما كان غياب التفسير أحد أسباب هذا السحر الإنسانى الفريد.
اقرأ/ى أيضا:
الوسومالاذاعة المصرية السيد حسن ايقاع مختلف مقالات