ذات الجـــديـــلة
مرفت يس
جالسة على سريرها الحديدى القديم – ســرير عــرسها كما اعتادت أن تقول لنا كلما حاولنا تجديد غرفة نومها -، كل شىء حولها تغير إلا ذلك السرير ، سريرآ وصندوقآ مطعم بالفضة كانا مشتملات غرفة نومها ، استبدلت الصندوق بدولاب لكنها أبت أن تستبدل السرير بأخر أحدث وعلى الموضة كما نقول ، تصرخ فينا سرير عرسى ياولاد ……. تحت السرير ثلاث درجات من الخشب تصعد عليهما لتصل اليه بمساعدتنا ، أمشط لها خصلات شعرها الذى تصبغه بالحناء فى شهر سبتمبر من كل عام ،عادة اعتادتها منذ بدأ الشيب يغزوشعرها لم تتوقف غير هذه السنة عندما اشتد عليها المرض أمشط شعرها بمشطها الخشبي الحاد الأسنان ، ورثت منها شعرها الأسود الحريري الكثيف الذى لم أكن أستطيع يومآ تمشيطه بمفردي فلما صرت فتاة بدأت أستخدم المقص لتقصيره حتى لم أعد أذكر طوله الحقيقى غير من صور الأبيض والاسود ،عندما كانت تضفره جديلة فى نهايتها شريط ملون تصل لأخر ظهرى ، تتأوه قليلا فأربت على ظهرها لتهدآ حتى انتهيت وبدأت أجدلهما كانت تضع منديلها الأسود وشالها الملون وتنساب من تحتهما جديلتيها كخيطين من حرير تتحدث عنها النسوة وتتغامزن كلما مرت من أمامهن وعيونهن مملوءة بالغيرة والحقد فلم تكن فقط جدائلها جميلة بل كانت تملك وجها مشرقآ وعيونا خضراء وبشرة ناصعة البياض جمال الأتراك كما كانوا يصفونها دائمآ، لم أكن أطيل الجلوس بجوارها فلم تكن تخلو أحاديثنا من الجدال والمشاحنات ،كلما ذهبت لأرتمى فى حضنها لم تكن تسمع، انما لسان حالها فقط يردد كلمة واحدة النصيب…. النصيب النصيب ، أصرخ فى وجهها فتباغتنى بقولها كلنا نتحمل …نــصيب 0 تلك الكلمة نبرر بها قسوة البعض أحيانآ ونقنع أنفسنا بالخنوع والاستسلام دائمآ ، أصبحت جلساتنا يخيم عليها الصمت ، ولم تعد هناك أى حورارات تجمعنا ، أزورها زيارات قصيرة وانصرف سريعآ ، حتى اشتد عليها المرض ، فبدأت ألازمها ، أصبحت ذاكرتها مشوشة ، تتذكر طفولتها كثيرآ ،تذكر والدها الذى حرمها من تكملة تعليمها لأن القرية كانت تخلو من المدارس الالزامية وقتها ، وسيتطلب تعليمها الاقامة فى المدينة ،فوجدت نفسها زوجة لعجوز فى عمره ، تتحدث كثيرآ ، تتألم أكثر ، تتأوه مرارآ …… ….كأننا توحدنا فى تلك اللحظــة 0 كمخمورة ذهب الخمر بعقلها أباحت بما اختزنته لسنوات وسنوات ، تبكى أحيانآ ، وتدندن بأبيات شعر ترثى حالها أحيانا أخرى ، لم تعد تصمت ولم يعد لتلك الكلمة فى قاموسها وجود …………..!