فتوة الشعر والشعراء بقلم الشاعرة عزة رشاد
هل يهرم البستان الشعري حين يهرم فلاحه الشاعر ؟ وهل تشيخ شاعرية الشاعر حين يتقدم به العمر ؟ وإذ يتوكأ الشاعر على عكاز – هل تتوكأ القصيدة مثله ؟ إن أسئلة كهذه يمكن ان تراود المرء وهو يقف مذهولا” أمام ابداع شعراء دخلوا كهوف الشيخوخة بينما قصائدهم بقيت محلقة في فضاءات الابداع وتمد جذورها عميقة في بستان الذاكرة .
وها هو ذا الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري ، يقدم لنا دليلا” حيا” على حقيقة أن الشاعرية لا تنضب في نهر الشاعر مهما تقدم به العمر .
فالجواهري الذي تخطى عامه الخامس والتسعين مايزال نهره الشعري دائم التذوق تتألق على ضفافه بساتين شعرية غامرة بالخضرة والشباب . . وإذ يسير الجواهري اليوم على عكازين ، فإن قصائده مازالت تركض بتمام الحيوية دون أن تفقد عذوبتها وعنفوانها اللذين امتاز بهما منذ أكمل بناء صرحه الشعري المتفرد ليكون هذا الصرح بمثابة مدرسة شعرية خاصة به وحده تأثر بها الكثيرون . . فالجواهري اليوم مدرسة شعرية قائمة بذاتها تماما” كمدارس المتنبي وأبي تمام والبحتري .
فإلى جانب الحكمة البليغة والصورة الشعرية المبتكرة امتازت مدرسة الجواهري بالجزالة اللفظية وبحسن ديباجتها وبقوة مطالعها الشعرية ، معيدا” إلى الأذهان العصر الذهبي للقصيدة العربية
ونعني به العصر العباسي.
ومع أن الجواهري كان قد اصدر ثمانية مجلدات شعرية حتى الآن ، إلا أن الكثير من قصائده الجديدة لم يضمها ديوان جديد بعد . . ومن بين هذه القصائد التي نسجها في الآونة الأخيرة قصيدة بعنوان ( ياحماة الفكر ) نظمها إثر منحه جائزة ” جبران خليل جبران ، العالمية ، وهي جائزة وضعتها رابطة احياء التراث العربي في استراليا ، تمنح إلى كبار أدباء اللغة العربية . . وإذ منعت الشيخوخة الشاعر الجواهري من حضور حفل التكريم واستلام الجائزة ، ركضت قصيدته إلى استراليا لتنشر نيابة عنه ، لا لتشكر المحتفين فحسب ، إنما لتثبت لهم ولنا أن الشعر لا يهرم حين يهرم شاعره ، وأن الشاعر المبدع يبقى دائم الفتوة والشباب حتى حين يكون قد تخطى التسعين .
(عزة رشاد)
نشر المقال متضمنا” القصيدة في جريدة الندوة في العمود الإسبوعي الموسوم ب ( قناديل ) فى التسعينيات
وبعدها بأيام نشرت جريدة الندوةفي يوم ٢٥ شوال ١٤١٥
هجرية . كلمة مقتضاه أن الجوهري معجب بهذا المقال .
قد يهمك أيضا