فى أوخر التسعينيات كنت طالبة فى كلية الاداب ببنى سويف أدرس االلغة العربية على يد مجموعة رائعة من الاساتذة الأفاضل تغمد الله برحمته أغلبهم ……ولازالت تربطنا الصداقة والمودة بالكثير منهم، تبدأ القصة بمشهد لاينسى، عندما سمعنا بوجود دكتور لمادة الفلسفة الاسلامية، ولم يثير أهتمامي ما سمعت، وذلك لمرورى بتجربة أكثر من سيئة مع هذه المادة فى الثانوية العامة، بسبب تلك المعلمة التي كانت تجمعنا حولها، على شكل حلقة من حلقات الكتاب وتردد ونردد خلفها كالببغاء، فلا كنت أستطيع الفهم ..ولا الحفظ ، فكانت مأساتي التى خلفت الكراهية لمجرد ذكر الاسم …. فلسفة
فى المدرج الذى يحتوى على 500 طالب أو ربما أكثر، فأكبر عدد طلاب هو دفعة اللغة العربية، دخل علينا شاب لم استطع تحديد سنه فملامح وجهه تشى بالجدية والصرامة وجهد السنين يبدو على عينية، وملابسة تختلف عن ملابس أساتذتنا الذين كنا لانراهم إلا بالبدل الكاملة
يرتدى بنطال جينز، وقميص كاروهات، ويشمر عن ساعدية ، ألقى التحية ، ونظر للكرسى المخصص للأساتذة نظرة ساخرة، وكأنه هم أن يلقى به، لكنه بدلا من ذلك جذبه ليقترب منا مستندًا عليه بيده اليسرى وبدأ يعرف بنفسه ،
بالفعل لم أعره اهتماما بعد أن ذكر اسم المادة التى سيقوم بتدريسها لنا ، كنت أراقب حركاته وتحركاته الكثيرة أمامنا كان يقفز أحيانآعلى جانب المكتب ليجلس نصف جلسة مستند علي أحد جانبيه ويده اليسرى تحضن يده اليمنى ويتحدث وعينيه شادرة بعيدة كأنه يرى أشخاص أخرون أو كأنه يقرأ من كتاب خفى لا نراه .
وفجأة رفع صوته مناديآ
– معايا يا أستاذة ياللى ماسكة كتب الثقافة الجماهرية
لكزتنى زميلتى لأضع الكتب أمامى ، وأنا أتعجب كيف رآنى وأنا وسط مجموعة كبيرة من الطلاب ،
فأنتبهت رغمآ عنى لحديثة ، تكلم فى أشياء عديدة عن الثقافة الجماهرية ومشروع مكتبة الاسرة ووصية بأن نغتنم الكنز المتوفر لنا بأبخث الأثمان حتى وإن لم ينفعنا فربما ينتفع به ابنائنا يومآ فى زمن سيصبح من المستعصى شراء كتب كما فى أيامنا تلك.
لم أستطع وضع يدى على شىء خاص بالمادة فقد تحدث، فى كل الأمور وثرثر معنا، وبالطبع سأله زملائى عن الكتاب المقررعلينا فابتسم ابتسامته الساخرة التى عرفناها عنه بعدذلك، ورفع كتابا من حقيبة صغيرة بيده، هذا هو الكتاب ولكم الحرية فى شراءة، أو تصويرة ، أوعدم فعل ذلك أصلآ .
فالتفت كل منا للآخر
ونحن نتسائل عن ذلك الغريب الذى لايشبهنا ولا يشبه استاذتنا .
توالت المحاضرات والمناقشات كان يحثنا على القراءة، يحثنا على الحديث فإذا تحدثنا شجعنا وقبل منا كل كلامنا، ان اختلف مع كلامنا فقط يردنا لنثتوثق من معلوماتنا، كان هادىء الطبع دائمآ وإن كانت ملامح وجهه تشير إلى بركان يتفجر بداخله
طاقتة على الاستماع لنا كانت كبيرة، فكانت فرحتنا فرحة الاطفال عندما نقرأ كتابآ ونجرى لنتحدث عما قرأنا فيردنا لكتاب آخروهكذا دواليك إلى أن رحل ذلك العابر الجميل تاركآ فى قلوبنا محبة وفى عقولنا طوفانا من الأسئلة تحتاج منا إلى البحث عن إجابات لها .
ظللت أتواصل أنا وقلة من الاصدقاء معه نغيب ونحن نستشعر بالخجل لأننا لم نحقق شىء يذكر فى حياتنا . عندما تضيق الدنيا بى وارفع سماعة الهاتف مترددة يستقبلنى صوته من الجهة المقابلة مرحبآ هادئا كالعادة يحث على الحديث فأتحدث وأتحدث وينصت
علمنى ألا أقسو كثيرآ على نفسى وعلمنى أيضآ ألا استسلم وأهم ماعلمنى إياه أن أثق فى مقدرتى وأن هناك ظروف قد تمنع الكثيرين وتقف حائلا دون تحقيق أحلامهم فلا أيأس ولا أجلد نفسى، ولا زلت كلما مررت بمحنة أتذكر حديثه وأسترجع ثقتى بنفسى فليس معنى أن نتأخر أننا فشلنا، ربما طريقنا مملوء بالأشواك فنسير بتؤدة وحتما سنصل .
عندما يطلب منا الحديث عن معلم ترك أثره تنصرف أذهاننا إلى معلمينا فى المرحلة الابتدائية أو الاعدادية لكن معلمى الذى ترك أثرآ لن يمحى هو” على مبروك “المعلم والصديق والانسان الحالم الذى لن يجود الزمان بمثله