اتعلمت من تجربة شغلي في معرض السجاد.. التفكير في أي شغلانه اشتغلها.. والفايدة والضرر منها.. ومكنش في تفكيري هاخد كام مرتب.. المهم إني أساعد أبويا في مصروف البيت.
وفي يوم كلمني صديقي علي حسن اللي كان ساكن في درب الست نفيسه بغرب البلد.. وقالي في مطعم بتاع فول وطعمية عند المنفذ مقابل جامع ناصر بأسيوط وأفتكر أسمه مطعم الأزهر.. وصاحبه راجل كويس وعايز حد يشتغل عنده من الساعة تلاته العصر لحد الساعة تلاته الفجر.. أو لحد ما يشطب المطعم من الزباين.. وهتاخد خمسين قرش في اليوم.. قلت فضل ونعمه من ربنا.
ومش مهم يا عم علي هاخد كام طالما شغلانه شريفه ومحترمة وهتعلم منها حاجه.. ومن رضي بقليله عاش.. وفي أول شهر أبريل من سنة ٨٠ أستلمت الشغل وبعدت عن نادي الأدب بقصر ثقافة أسيوط بعد كام شهر من حضور ندوة يوم السبت.
لكني كنت أقابل الأستاذ سعد عبد الرحمن في صلاة الفجر وقت ما كان مدرس لغة عربية في مدرسة القناطر بالوليدية ويسكن في بيت الأستاذ محمد علي مرسي بشارع الشيخ صلاح بالوليدية.. المهم يا حبايبي.. كنت فاكر مثلا هبيع فول مدمس أو أطحن الفول المبلول في الحجر وأعمل منه عجينة طعمية.
لكن فوجئت من الناس اللي شغاله قبل مني.. إن العامل الجديد لازم يقف على الحوض يغسل الصحون ويشيل الزبالة آخر الليل.. قلت لنفسي عادي.. وفضلت كل يوم أغسل الصحون وأشيل الزبالة وارميها عند الترعة الابراهيمية.. وأخر الليل أمسح بلاط المطعم بالخيشة والجردل.. وأغسل الرخام واطهره.. وادعك قدر الفول وصواني قلية الطعمية.. وأرجع البيت بعد الساعة تلاته.. اشوف صوابعي الاقيها بيضه زي بياض اللبن ومكرمشه من الميه وجلدها طري.
ورغم من ذلك مزعلتش ولا اعترضت على الشغل.. لان كل همي إني أتعلم الصبر وأعرف طباع الناس واتعلم منهم.. هي دي مدرسة الحياة اللي أبويا كان دايما يقولها ليا.. وكمان كنت دايما أشوف فرحة أبويا بيا لما كان دايما يقولي القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود.. وفي يوم خطر في بالي إني ليه ملمش العيش وباقي السندوتشات وأي حاجه باقيه من الزباين في شكاير اسمنت وأقعد على أول الوليدية.
وأنادي على كلاب الشوارع واديهم باقي الأكل وأعمل مع الكلاب صداقه.. وأتاجر مع ربنا.. وأنا بطبعي أحب الكلاب.. وافتكر كلبي رنجو اللي ضربوه العساكر بالخرطوش.. بكيت عليه وقلت حسبنا الله ونعم الوكيل في أي مفتري يقتل روح إنسان أو حيوان ربنا خلقها.. المهم يا حبايبي جمعت بواقي الأكل.
وركبت عجلتي النصر ووصلت عند مدرسة الوليدية بنات اللي أول الوليدية.. وقعدت على الرصيف المجاور لكوم الزبالة.. وبدأت أنادي على الكلاب كش كش.. تعالوا يا حبايبي.. وصدقوني أجمع قدامي في أول يوم عشر كلاب.. وبدأت أكلهم بصوابعي في بقهم وكأنهم اطفالي.. والغريبة إن كل كلب ياخد أكله ويقف بعيد يأكل.
ويدخل التاني والتالت.. والله من أول يوم حصل بينا صداقه ونظام غير عادي للمقابلة اليومية.. وخلص اليوم الأول وحسيت إن ربنا راضي عني وبسعادة كبيره وأنا بصلي الفجر في الجامع الكبير وراء الشيخ محمود حمدي وأنام أقل من تلات ساعات.. وفي الصبح أمي تصحيني وفي يدها احلى كباية لبن فرش من جاموستنا زحل هههههه اشربها وأروح على شغلي بكلية الطب.
وتاني يوم العشر كلاب بقوا عشرين كلب.. لحد ما حسيت إن كل كلاب الشوارع عرفت ميعادي وتنتظرني كل يوم عند المدرسة.. والله العظيم الكلاب كانت بتبوس ايديا وتلحس رأسي.. وافتكر كلبه صغيرة جرو يعني لحس خدي وكأنه بيبوسني .. واستمريت أشتغل شهور في مطعم الفول والطعمية اللي عند المنفذ وجنب محل بيبيع قطن العرايس.. وكنت فرحان بالكلاب والشغل في المطعم.
ورغم من ذلك عمري ما أكلت من المطعم ساندوتش فول أو طعمية من وراء صاحب المطعم والحمد لله.. ودي اتعلمتها من أبويا وهي عزة النفس.. رغم إن طباخ السم بيدوقه.. لكن الحمد لله عمري ما نظرت في أي حاجه مش بتاعتي.
أو طمعت في حاجه غيري.. وقبل ما أختم حكايتي الليلة معاكم جاني التهاب شديد في صدري من البرد والمية الساقعة.. وكمان بقت صوابعي بتترعش من الرطوبة أو زي ما سمعت من أبويا جاني روماتيزم.. وسبت الشغل في المطعم.. وفقدت حنية الكلاب.. وزعلت على الثواب اللي كنت بعمله مع أرواح ربنا خلقها.
نعيم الاسيوطي يكتب: من حكايات الزمن الجميل “الحلقة السابعة”
من حكايات الزمن الاصيل..”ضحك السنين” بقلم: نعيم الاسيوطي
من حكايات الزمن الجميل ( ٥ ) الشيخ عمار .. يكتبها نعيم الاسيوطي