تلك الدُّمي التي عجَّزتْ ..
ملأ جسدها الرطوبة ..
تعفن نصفها الأسفل ..
فقدتْ ذاكرتها تماماً ولم يعُد ،
يُراودها خيط الضوء القادم مِنْ الشمس ،
عَبْر شقوق النافذة .
هذه الدُّمي كانت أبطال حكايات ،
قبل أن تتكوم في نصف حُجرةٍ لم تجد ،
مَنْ يُقلِّم أظافرها ..
أو يُمشِّط شَعَّرها المَنكوش ..
لم تجد مَنْ يمكنه ..
أن يمسح برقة التراب المُكَدَّس بين تجاعيد الوجه ،
ويعيد لمعة العينين ، وبريق الشفاة .
في نصفِ حُجرَةٍ ..
جلستُ على حافةِ السرير ..
ألعنُ كل شيء ..
الوجوه التي عاشتْ كثيراً ..
بَهتتْ مِنْ القعدةِ تحت حيطان البيوت المُهدَّمة في ظلها ،
تغيرتْ لغة الحكايات القديمة ..
يَشعرون الأن ببلاهة تدخل أدمغتهم ،
مِنْ غير بَسملةٍ .
عيون تبص عليك ،
شِفاه تُفتَحُ على الجنبين ،
سبَّابةٌ لكفٍّ مُسنَد على التراب يعلو وينخفض ،
صدور تعلو ولا تلاحظ انخفاضها ،
أقدام مُشرَّعةٌ في عرض الشارع ، تشبه
مجاديف المراكب .
أصواتهم قديمة مثلهم ،
وكأنها تأتي مِنْ عُمقِ بئرٍ هجره السقاةُ .
يشبهون تماما ..
تلك الدُّمي التي تَحتلُ نصف حُجرةٍ مَعي ،
أنا الواقف طول الليل ..
أُمَصمص شَفتيَّ .
كيف أكون مَاهراً في العشقِ ؟
أو في القَنصِ ،
وربما أحلم بالفروسيةِ ،
لاسيما وأنا عندي فَرسٌ مرسوم على الحائطِ ،
قُبالة سريري المريض ،
الذي تأتيه نَوبةُ تزييق حادة ،
لمَّا أتقلَّبُ عليه ..
فَترقُصُ فرحاً هذه الدُّمي ، التي تُشاركني نصف حُجرةٍ بالإيجارِ .
لماذا لم يَشيخُ هذا الكون ؟
أصحو يوماً أجد مثلاً ..
الشمس كَبُرتْ في السِّنِ وارتختْ أشعتها ولم تَعُد تقوى على الوصول إليَّ عَبرَ شقوق النافذة ..
القمر يشنُ مِنْ نوبةِ برد ، وقد تَفرقتْ النجوم مِنْ حوله ..
الهواء لا برودة فيه ولا سخونة ،
الليل مُترهل ، ونهار يمشي على عُكَّازين .
لو حدث هذا ..
يا فرحة هذه الدُّمي ،
التي تَشعُر بهذا اليأس وحدها .
في نصفِ حُجرَةٍ ..
تقفُ الأحلام مُنزعجةً ،
مِنْ غير تأويل ..
كعاريةٍ تَتحممُ في بُحيرةٍ بلا سياج .
الضوء الخافت لشمعتي ..
كل ليلة يَرسم ظلي على الحائط ،
بشكل مُختلف ..
ما يقلقني خوف هذه الدُّمي ،
مِنْ هذه الصور لي ..
ربما يعتقدون أنني خائن ،
أو لم أحفظ العِشرةِ .
__________________________
عاشور الزعيم
الداخله يناير ٢٠٢٤