حكيت ليكم عن شغلي في كلية الطب بجامعة أسيوط في وظيفة عامل اسانسير ومن جواه كنت بأخذ الكتب استعارة من الأستاذ الدكتور/ أحمد ياسين نصار أستاذ الكيمياء بكلية الطب اللي علمني أزاي أقرا وافهم الكتب.. وكمان زرع بداخلي محبة وشهوة شراء الكتب..
وبعدين انتقلت لعامل نضافه بالكلية.. كل دا بعد ما أخدت دبلوم الصنايع بنسبة ٨٥ % وبدراعي ومش بالغش.. وعرفت من حق العاملين بالجامعة نسبه مئوية لأولادهم.. أبويا خدني الشغل وقعدني مع الأستاذ محمود عثمان مدير عام الحسابات بكلية الزراعة..
وحب يقنعني أعمل معادله وأكمل في كلية الهندسة.. إلا إني اكتفيت بالدبلوم علشان أساعد أبويا في مصاريف البيت والأرض.. وبدأت أدور على شغل تاني بعد الضهر.. اشتغلت في حاجات كتيره.. أغسل صحون وامسح بلاط في المطاعم وابيع في محلات الفراخ والبقالة والقماش وحاجات تانيه كتير..
وعمري ما قلت للشغل عيب ولا حرام طالما عمل شريف وبعرق جبيني.. وكمان اتعلمت من عملي في معرض السجاد الصبر والتفكير وإزاي أعرف البنادم الكويس من الوحش وحاجات تانيه كتيره في مده قصيرة.. وأخيرا اكتفيت بشغلانة الصبح في الجامعة.. وبعد الضهر اتفقت أنا وأخويا اللي أصغر مني إننا نساعد أبونا في الغيط ونتاجر أرض تاني ونزرعها..
ونشتري جاموسه بكر أو نكتفي بجاموستنا زحل ونربي عجلها ومفيش داعي نبيعه كالعادة للجزارين.. أبويا فرح قوي وحضن أخويا اللي دخل نفس قسم البرادة بمدرسة الصنايع رغم إنه يقدر يدخل ثانوي عام أو معلمين.. بس فضل يأخد دبلوم ويتعلم صنعه.. والصراحة أخويا أبو محمود حنين قوي وطيب وكريم مع كل الناس القريب والغريب واللي في جيبه مش ليه.. وهو أقرب حد من إخواتي لأبويا وأمي وليا..
وبعد ما اتخرج من المدرسة وقضى مدة جيشه.. أشتغل في شركة المقاولون العرب اللي بتبني مصنع الأسمنت في بني غالب بأسيوط.. وأشهد الله إنه أكتر حد في إخواتي بار بوالديه.. وبسبب بره بوالديه.. ربنا نجاه من حادثة المصنع.. أيوه أخويا ابو محمود أتعرض لحادثه فظيعه في مصنع الأسمنت لما وقع من إرتفاع عالي جدا وسياخ الحديد خرمت رجليه وبطنه ووشه..
وأنا والله كنت في الجيش أيام حادثة المنصة ومعرفتش غير بعد أربعين يوم.. وأول ما نزلت إجازة من الجيش دخلت على أمي.. حضنتني وبكت وقالتلي أدخل شوف أخوك كان هيموت يا نعيم .. دخلت على أخويا وشفت الجروح في مناخيره ومكان السياخ في فخده وبطنه.. حضنته وبكيت عليه.. يااااااه يا أخويا.. غبي اللي يزعل من أخوه أو يكون قاسي عليه مهما حصل..
ونرجع بسرعه لشغلنا مع أبويا في الغيط .. وبقيت أنا وأخويا أبو محمود ننقر الأرض ونزرع الدره الشامي والقيضي والجراو.. ونشيل صبخ البهايم ونعزق الأرض ونحصد القمح ونسقى بالليل الأرض في الطراوه.. ونفوس الدرة القيضي والشامي.. المهم أنا وأخويا حسينا إن البيت محتاج مصاريف أكتر علشان باقي إخواتنا يتعلموا..
وكمان كل شوية حيطه من البيت تقع فنشتري طوب أحمر ونعمل معاجن طين ونبني تاني.. وأكتر حاجه كانت بضايقني أنا وأخويا الجيران اللي حوالينا وهما واقفين في البلكونات بيتفرجوا علينا.. والله كانوا بيبيعوا لينا صفيحة الميه بعشر قروش..
والغريبة إن أمي الطيبة كانت دايما توزع عليهم الجبنة الخضراء والزبدة واللبن على جيرانا محبة ليهم.. وتعتبرها زكاء عن صحتنا ومالنا.. ونفس الكلام أبويا كان قبل ما يدخل أي محصول البيت يطلع زكاته للغلابة.. والغريبة رغم إننا كنا بنعامل كل الجيران بسلام ومحبة إلا إنهم كانوا بيعاملونا معاملة اليهود..
والله إحنا يوم ما دخلنا في بيتنا الميه.. كانت المية بتقطع في كل البيوت إلا بيتنا.. وتشتغل حنفية بيتنا لكل الجيران ياخدوا ميه من الصبح لحد الليل.. دا غير أمي كانت تخلينا نودي ميه للناس الغوربيه والناس العواجيز.. وفي يوم وأحنا في مولد الست شريفه..
اتفقت أنا وأخويا نشتغل في الأيام الفاضية في أرض الناس بأجر.. وبدأنا نجني قطن ونقلع عيدانه من الأرض.. ونفوس الشامي والدره في أرض ناس كتيره وعمرنا ما قولنا الأجر دا كتير أو قليل.. الناس تسألنا عايزين كام أجركم يا ولاد الحاج علي..
كنت أنا وأخويا في نفس واحد نقول لصاحب الأرض اللي تدفعه أحنا موافقين عليه.. والحمد لله الناس كانت بتحبنا جدا.. ويتخانقوا على شغلنا عندهم.. وبقينا نشتغل كل يوم.. وأحيانا كنا نسرح مع أبونا في العصر ونكمل شغل في أرض الناس من بعد المغرب..
مره نكبس تبن ومره نفوس الشامي معاهم صاحب الأرض.. وكتير نشيل رمله وزلط وجير وحمره وطوب ونحفر اساس في البيوت.. وعلى حسب اي شغل يجلينا.. ورغم من ذلك.. كنت بسرق نفسي من الشغل وأروح يوم السبت من كل أسبوع نادي الأدب بقصر الثقافة.. وأرجع بسرعة للبيت علشان محدش يحس بغيابي.. وأكتب وأقرا وأنا قاعد فوق ضهر الحماره بتاعتنا اللي بتمشي تلاتات تلاتات ههههه.. والحمد لله على كل حال.
قد يهمك أيضا:
نعيم الاسيوطي يكتب: من حكايات الزمن الجميل كلاب الشوارع